بعد كل الذي شاهدته من كرة القدم، عروض لامنتهية من الدهشة والرعب ومصادرة المنطق، وجدتني ما بين شك ويقين، وأنا أخطو كما الملايين حول العالم نحو نهائي عصبة الأبطال الأوروبية، المسابقة التي لا يعلو عليها في الكونية والجمال والسحر أي مسابقة أخرى للنوادي، مع الإعتذار الشديد لعصبتنا الإفريقية.
كان اليقين بداخلي يقول بأن باريس سان جيرمان بجرد كل مكوناته وجيناته التكتيكية والإبداعية، وتركيبته التقنية الخارقة، هو من يستحق أن يعلن ملكا يجلس بكامل التقدير والإجلال على عرش كرة القدم الأوروبية، لكن كانت هناك جذوة من الشك تشتعل، تقول أن هذا الإنتر الإيطالي، ماكر، مخادع ويملك من الخبث التكتيكي ما به قد يكسر شوكة أمراء باريس، ورجعت بذاكرتي قليلا، لأتذكر الذي فعله هذا الإنتر ببرشلونة في نصف النهائي وببايرن ميونيخ في ربع النهائي.
ولأن اليقين استند على وقائع معاشة، لا على انطباعات متخيلة، فقد سحق باريس سان جيرمان كل الأرقام وحسم كل التفاصيل وحاصر كل الجزئيات، ليعلن نفسه بمنطق الأداء الجماعي وبمنطق ما يوجد من فوارق كبيرة بينه وبين الأنترناسيونالي، بطلا لأوروبا بأجمل طريقة، ويقولون من الأجدى أن يتأخر التتويج قليلا، ليكون بهذا الجمال، حيث أحكم باريس سان جيرمان قبضته على النهائي، وعلى رقبة إنتر ميلان، فما تركه يتنفس قليلا حتى يطفو على سطح النهائي.
هذا التتويج الباريسي بعصبة أبطال أوروبا استحق بالفعل عنوانا جميلا «من الريمونطادا إلى لامانيطا»، أي من رجفة ورعشة البدايات، إلى الرقص في النهائي على وتر الخماسية، وما بين الرجفة والرقصة، صعود صاروخي لفريق باريس سان جيرمان ارتدى معه الجلباب التكتيكي المبهر الذي صممه بإبداع قل نظيره لويس إنريكي، وكان أسدنا الكبير أشرف حكيمي صورة رائعة من ذاك المُتخيَّل.
كانت بداية رحلة أمراء الحديقة، في عصبة الأبطال بشكلها المستحدث، فوز قيصري على جيرونا الإسباني، ثم ثلاث هزائم مريرة أمام بايرن ميونيخ، أتلتيكو مدريد وأرسنال، وتعادل مخيب أمام أيندهوفن الهولندي في حديقة الأمراء، جعلت الكثيرين يصدرون خطابات اليأس، بل وشجعت الصحافيين الفرنسيين على سل السيوف من أغمادها، لتقطيع جثة إنريكي، الذي كان يدرك أن شقائق النعمان تولد من عتمة الإنكسارات.
ومن الملحق سينفذ باريس إلى الأدوار الحاسمة، ليقدم عرضا فخما، وكأني بتلك الحديقة التي ذبلت أزهارها، قد أينعت من جديد وبأي طريقة، فريق باريسي مُتحوِّل ومتحوِّر، بأسلوب لعب يتطابق كليا مع المكون البشري، سيرسل في المدى إشارات على أنه يحمل فعلا جينات البطل، وسيؤكد لمن هم بحاجة للتأكيد، أن الأبطال يولدون من رحم المباريات ولا يخرجون من صفحات التاريخ.
هذا الفريق الباريسي المُتحوِّر، كان عميد أسود الأطلس أشرف حكيمي صورة منه، ذلك أن لويسي إنريكي أسكن في أشرف أحد أكبر أسرار منظومته المبتدعة بكثير من الإتقان، وقد ظهر ذلك وأشرف يسجل في كل الأدوار النهائية الحاسمة، بل وينفرد بين الجميع بأنه أكثر مدافع عبر التاريخ يساهم في هذا الكم الكبير من الأهداف في نسخة واحدة لعصبة الأبطال (4 أهداف و5 أسيست).
لباريس سان جيرمان المجد وهو يصبح ثاني فريق فرنسي يتوج بكأس الأبطال وبأي طريقة!.. وللمدرب لويس إنريكي كل التقدير لما أبدعه فكان لنا مصدر متعة.. ولأشرف حكيمي شرف الفوز ب«البالون دور»، فليس هناك أحق منه بهذا الشرف.
التعليقات 0