قطعا، لا يمكن الحديث اليوم عن تتويج المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة باللقب الإفريقي، وهو بالمناسبة التتويج الأول من نوعه على مستوى هذه الفئة العمرية، معزولا عن الإستراتيجية التي تبنتها كرة القدم الوطنية، وجرى تنزيلها بإحكام من قبل الجامعة، لنكون أمام هذا الحصاد النوعي بل والقياسي في تاريخ كرة القدم المغربية.
ليس هذا التتويج على روعته وتاريخيته، سوى امتداد لمحصلات أخرى حققتها كرة القدم، بوصول المنتخب الأول للمربع الذهبي للمونديال، بتتويج المنتخب الأولمبي باللقب الإفريقي وبعده بالميدالية الأولمبية البرونزية، بحصول المنتخب المحلي على لقبين قاريين متتالين، بتسيد منتخب القاعة ، بحلول المنتخب النسوي وصيفا لبطل إفريقيا ووصوله لأول مرة للمونديال، لذلك وجب أن نعامل هذا الإنجاز في شموليته، على أنه ثمرة لرؤية مستنيرة حددت بدقة الهدف ووظفت كل الإمكانيات لبلوغه.
ما أكثر السنوات التي قضتها هذه الفئة العمرية بعيدا عن القمم الإفريقية، بسبب أن التكوين شابته أعطاب كثيرة وبسبب أن التحضير للإستحقاقات القارية كان أمر وقتيا بل وعرضيا، وبسبب أن القارة الإفريقية شهدت لعقود من الزمن تجاوزات خطيرة على مستوى ضبط أعمار اللاعبين، فما إن يصل منتخب الناشئين للتصفيات القارية، حتى ينكفئ على وجهه ويسقط من أول الأدوار الإقصائية.
وكان علينا انتظار سنة 2013، لنحضر لأول مرة نهائيات كأس إفريقيا للأمم، وقد تخلفنا عن تسع نسخ منها، منذ أن أطلق الكاف المسابقة سنة 1995، نسخة أنهيناها هنا بالمغرب في المركز الرابع الذي أهدانا الحضور لأول مرة في المونديال.
وطبعا ما قادنا التخطيط الجيد وجني أولى ثمرات التكوين القاعدي لأخذ مكان بين المتنافسين على اللقب، إلا في سنة 2023، خلال النسخة التي استضافتها الجزائر، ونجح أشبالنا المؤطرون من سعيد شيبا في الوصول إلى النهائي الذي خسروه أمام السينغال بهدفين لهدف، وبعدها سيكسب المغرب بتصدر تصفيات شمال إفريقيا، وبعدها بقوة التنظيم، رهان التواجد لأول مرة في الأدوار النهائية لنسختين متتاليتين، دليلا على نجاح المقاربة الإحترافية في تحضير المنتخبات السنية.
وكان لتواجد المنتخب المغربي في الدور نصف النهائي للمرة الثانية تواليا مع منتخبي مالي وبوركينا فاسو، ما يدلل على أن هذه الفئة العمرية التي ترمز لواحدة من أقوى حلقات التكوين، نجحت ليس فقط في تأمين حضورها مع النخبة الإفريقية، ولكن أيضا في تقديم نفسها كقوة جديدة في قمة إفريقية غالبا ما كانت محتكرة من دول بعينها.
ومع نجاح أشبالنا في تقديم الجينات المغربية، التي هي اليوم إحدى مرتكزات منظومة التكوين المعتمدة من الإدارة التقنية الوطنية، فقد نجحوا في مقارعة أفارقة جنوب الصحراء من حيث بنياتهم الجسدية القوية ومزجهم بين القوة البدنية التي تكسبهم الإلتحامات والذكاء التكتيكي الذي يبرز الجوانب المهارية في أدائهم، وذاك هو المفتاح الذي لم تهتد إليه كرة القدم منذ عقود من الزمن.
إن هذه النجاحات التي لا توجد فيها ذرة واحدة للصدفة، ولا يمكن أن تنسب إلا إلى وضوح الرؤية وجدية العمل ورصد الإمكانيات، لابد وأن تكون قاعدة للإستثمار الجيد الذي يضمن لها الإستدامة، الإستثمار في العناصر الموجبة للتفوق، والعوامل الممهدة لهذه الريادة المشروعة لكرة القدم الوطنية إفريقيا وحتى عالميا.
التعليقات 0